Wednesday, July 25, 2007

الخروج من شرنقة أخرى

لا أشعر بالرغبة في الكتابة منذ تاريخ الوفاة و حتى متابعتي اليومية أو الأسبوعية لتطبيقي لطريقة سيلفا بإنتظام منذ أكثر من 7 أشهر توقفت جزئياً.
و لكني لو توقفت عن الكتابة سأصاب بالجنون.

- ماتبقاش تقفل باب أودتك
هذا ما قالته لي والدتي بعد أن استلمت و بشكل مفاجىء قيادة الأسرة بعد أن كنت قد وضعت حدوداً في هذه العلاقة استغرق صنعها الكثير من الوقت.
فمع إختلاف الآراء و طرق التفكير حتى في أبسط الأمور و حتى أسلوب الحوار كان لابد من وضع هذه الحدود في التعامل.
- مش كل حاجة نتناقش فيها
- محدش يقوللي رأيه إلا لما أطلب منه
- أنتوا تقولوا اللي انتوا عاوزينه و أنا أعمل اللي أنا عاوزه
- دي حياتي و أمشيها زي مانا عاوز

و لذلك فأصبحت كل جلساتي مع والدتي و أختي للدعابة و المرح و مع والدي أضيف للحديث النقاشات السياسية و علم النفس.
و الآن و بعد خروجي من عدة شرنقات عديدة في هذا العام خرجت من شرنقة أخرى و بمعنى أدق شرنقتين
الشرنقة التي وضعتها للتعامل مع فئات معينة في المجتمع و الأهرى التي صممتها للتعامل مع أسرتي.

.أثناء رحلتي لإنهاء إجراءات المعاش قابلت أسوأ فئة في مجتمعنا و هم الإداريين العاملين في القطاع العام (و الخاص أيضاً)
و أصنفهم كالأسوأ فعلاً لأن هذا الجيل بصفة عامة ترعرع في عصر عبد الناصر المهزوم أي أنهم شربوا الخوف منذ نعومة أظفارهم و اعتادوا الخنوع و السلبية و الكسل.
- أنت بتتعامل مع بقر، لو البقرة نطحتك هاتنطحها ؟
هذا -بالحرف- ما قاله لي خالي بعد أن علم أني دخلت في مشادة كلامية عنيفة مع موظف في الحسابات بالإدارة (نادراً جداً ما أفقد التحكم في ردود أفعالي) و لكنهم لا "ينطحوا" لأنهم نعاج
صعدت بعدها بيومين "لإمضاء" و "ختم" بعض الأوراق و شاهدني و لم يقل شيئاً
دائماً ما أسأل نفسي هذا السؤال
Am I acting or reacting?

- أنا آسف جداً إني صحيتك من النوم
قلتها لموظفة الشيكات عند استلامي شيك مصاريف الجنازة و على وجهي إبتسامة باهته....لم تفهم بالطبع أنني أسخر منها .

البعض يقول أن هذا الجيل ضحية......خطأ
كل شخص مسئول عن حياته و مسئول عما يحدث بها.
و لكن الغالبية العظمى من الناس تتكاسل عن التحرك لتكون أفضل
و هذا هو الفرق بين الشخص الناجح في حياته و الآخر الذي يعيش على هامش الحياة

بعض الأحيان أتجادل مع والدتي و يكاد الحديث يتحول لمشادة كلامية أخرى
أسأل نفسي نفس السؤال مرة أخرى و يتخذ الحديث مساراً مختلفاً

لم يكن الأمر بهذا السوء الذي تخيلته في بادىء الأمر حتى بعد تهويل بعض أصدقائي للموقف.
آه أصدقائي

عرفت مَن مِن أصدقائي يهتم "فعلاً" لحالي و قام بتعزيتي و من منهم لا يهتم إطلاقاً
أشعر أن هذا التفكير سخيف فلا أحب الحكم على الآخرين و لكن هذه الفكرة بالذات لا تتوقف عن القفز أمامي.
هل سأتخذ إجراء مع هؤلاء الأصدقاء ؟؟ هذا يعتبر رد فعل
آه يا دماغي

كنا على وشك الإنتقال للعيش في إحدى المدن الجديدة و لكن حالة الوفاة أخرتنا أتابع الآن إكمال التجهيزات و كنت سأدعهم ينتقلوا وحدهم و أعيش بمفردي في شقتنا الحالية
محلاها عيشة العزاب
لكن الآن مضطر للخروج من الشرنقة و الإنتقال مع باقي الأسرة.

جلست يوم 23 يوليو في البيت زي ما اتفقنا و معرفتش ناس قد ايه قعدت بس موقع جبهة إنقاذ مصر قال أنهم كتير قوي.

كل هذه هي أفكاري في هذه اللحظة بس دلوقتي حسيت بإسترخاء لما كتبت (كالعادة)
دلوقتي قدامي حل من اتنين يا إما أقفل الويندو من غير ما أنشر البوست (زي مواضيع كتير قبل كده) أو أنشره و خلاص.

Tuesday, July 10, 2007

وفاة والدي

آخر ما كنت أتوقعه و لم أفكر في هذا الموقف من قبل
حتى والدتي و أختي
من المعروف أن عائلة والدي من المعمرين و توقعت أن الوالد مقيم معنا إلي ما شاء الله
لم يكن اباً تقليدياً
فكل ما يحدث بين الأب و الإبن من خلافات و مشاكل نادراً جداً ما كان يحدث بيننا خاصة في فترة المراهقة
كان دائماً يقول "أنا ضد تقييد الحريات"
لم أنجح في توطيد علاقتي به طيلة السنوات الماضية فلم أجد مجال نهتم كلانا به
حتى هذا العام و مع ازدياد اهتمامي بالسياسة و علم النفس وجدت فيه نهر يتدفق بالمعلومات التي قد أحتاج اسابيع و ربما شهوراً للبحث عنها
كنت استمتع بالحيث معه و كانت أمي تتعجب من التغيير المفاجىء في علاقتي بأبي
علمت منه أن جدي كان عضو بحزب الوفد قبل إنقلاب يوليو و كيف أنه كان معترضاً على الإنقلاب
علمت منه كيف كان الناس مخدرين بالشعارات التافهة و هو و عمي كانا من ضمنهم حتى هزيمة يونيو
كان يحدثني عن القرارات العجيبة التي كان عبد الناصريقرها و كذلك السادات
كان يتفق معي في رفضي للسلفية المنتشرة في مصر و كان يتحدث إلي أحد سكان الشارع من السلف و يخبرني بمناقشاتهم و نضحك سوياً على آرائهم التي تفتقر إلي أبسط قواعد المنطق
نجحت في جعله يتوقف عن شراء الأهرام و جرائد المخدرات القومية و أقنعته بالدستور و صوت الامة
أصبحنا نتناقش عن آخر الأخبار بشكل يومي
أصبحنا أصدقاء و هذا ما لم أكن اتوقعه أبداً
كان والدي متديناً و مهتماً بالسياسة في الإسلام و مع ذلك لم يعارض أبداً أفكاري الليبرالية ولا عن الدولة العلمانية كحل مقترح لإصلاح حال الدولة
أحضر لي كتاباً للشيخ القرضاوي اسمه "الإسلام و حضارة الغرب" لم أقرؤه حتى الآن و اقترح بأن اقرأ الكتاب بعد التخرج إذا نويت الهجرة ووقتها ضحكت و قلت له "عاوز تستقطبني؟" و ضحكنا سوياً
كانت آخر مناقشاتنا هي ملابسات موت أشرف مروان و أخذنا ننتناقش سوياً و انتهينا إلي أن ننتظر نهاية التحقيقات
كان يوم 30/6 و عدت إلي المنزل بعد يوم طويل مع الأصدقاء و طرق باب غرفتي ليعطيني المعجم و يخبرني انه وجد المعجم الخاص به
و شعرت عندما تحدث إلي بشىء ما غريب و لكني أعرف انه مكتئب قليلاً
قلت أنه ربما كذلك لأن والده توفى من أسبوع (عن عمر 88 عاماً)
لم أشأ أن اتحدث إليه لأني أفضل ترك المكتئب حتى يعود لحالته الطبيعية وحده فالحديث عن أسباب الإكتئاب يجلب المزيد من الإكتئاب
كنت على وشك النوم و لكني وجدت أن الفجر قد قارب على الأذان ففضلت الإنتظار لأصلي ثم انام
كان - رحمه الله - يصلي يومياً الفروض الخمسة في المسجد و المعروف ان هذا هو وقت استعداده للصلاة
قمت لأجده مغشياً عليه - هذا ما كنت اعتقده - في دورة المياه و لم أنجح في إفاقته و أيقظت أمي و لم تنجح هي أيضاً
اتصلت باحد جيراني و جاء بجار آخر و قمنا بنقله على الفراش و جئنا بالطبيب ليخبرنا بالفاجعة التي ادمت قلبي.
و بكيت لثاني مرة في حياتي أمام الغير
و مر اليوم سريعاً بشكل لم اعهده من قبل في كل حالات الوفاة التي شهدتها
توفى قبل آذان الفجر و دفن أثناء آذان الظهر
و انتهى اليوم ومازلت في حالة الذهول و اتوقع في كل لحظة ان اصحو من النوم صباحاً و اجده يتناول الإفطار أقول له صباح الخير أثناء إفطاره و يرد علي ضاحكاً "صباح النور.....اتفضل"
كلما أشعر بالندم أنني لم اتحدث اليه قبل وفاته - خاصة و أنني رأيته في غرفته قبل الوفاة بحوالي نصف ساعة - أتذكر أنه لا يحتاج مني الآن سوى الدعاء له فقط.
لم يكن أباً تقليدياً
بل كان أباً روحياً

هذه التدوينة ليست مكان لإثارة الشفقة
إنها فقط مكان لي لكي أصرخ فيه عالياً
وحيداً
...............

و قد ألغيت التعليق على هذه التدوينة