آخر ما كنت أتوقعه و لم أفكر في هذا الموقف من قبل
حتى والدتي و أختي
من المعروف أن عائلة والدي من المعمرين و توقعت أن الوالد مقيم معنا إلي ما شاء الله
لم يكن اباً تقليدياً
فكل ما يحدث بين الأب و الإبن من خلافات و مشاكل نادراً جداً ما كان يحدث بيننا خاصة في فترة المراهقة
كان دائماً يقول "أنا ضد تقييد الحريات"
لم أنجح في توطيد علاقتي به طيلة السنوات الماضية فلم أجد مجال نهتم كلانا به
حتى هذا العام و مع ازدياد اهتمامي بالسياسة و علم النفس وجدت فيه نهر يتدفق بالمعلومات التي قد أحتاج اسابيع و ربما شهوراً للبحث عنها
كنت استمتع بالحيث معه و كانت أمي تتعجب من التغيير المفاجىء في علاقتي بأبي
علمت منه أن جدي كان عضو بحزب الوفد قبل إنقلاب يوليو و كيف أنه كان معترضاً على الإنقلاب
علمت منه كيف كان الناس مخدرين بالشعارات التافهة و هو و عمي كانا من ضمنهم حتى هزيمة يونيو
كان يحدثني عن القرارات العجيبة التي كان عبد الناصريقرها و كذلك السادات
كان يتفق معي في رفضي للسلفية المنتشرة في مصر و كان يتحدث إلي أحد سكان الشارع من السلف و يخبرني بمناقشاتهم و نضحك سوياً على آرائهم التي تفتقر إلي أبسط قواعد المنطق
نجحت في جعله يتوقف عن شراء الأهرام و جرائد المخدرات القومية و أقنعته بالدستور و صوت الامة
أصبحنا نتناقش عن آخر الأخبار بشكل يومي
أصبحنا أصدقاء و هذا ما لم أكن اتوقعه أبداً
كان والدي متديناً و مهتماً بالسياسة في الإسلام و مع ذلك لم يعارض أبداً أفكاري الليبرالية ولا عن الدولة العلمانية كحل مقترح لإصلاح حال الدولة
أحضر لي كتاباً للشيخ القرضاوي اسمه "الإسلام و حضارة الغرب" لم أقرؤه حتى الآن و اقترح بأن اقرأ الكتاب بعد التخرج إذا نويت الهجرة ووقتها ضحكت و قلت له "عاوز تستقطبني؟" و ضحكنا سوياً
كانت آخر مناقشاتنا هي ملابسات موت أشرف مروان و أخذنا ننتناقش سوياً و انتهينا إلي أن ننتظر نهاية التحقيقات
كان يوم 30/6 و عدت إلي المنزل بعد يوم طويل مع الأصدقاء و طرق باب غرفتي ليعطيني المعجم و يخبرني انه وجد المعجم الخاص به
و شعرت عندما تحدث إلي بشىء ما غريب و لكني أعرف انه مكتئب قليلاً
قلت أنه ربما كذلك لأن والده توفى من أسبوع (عن عمر 88 عاماً)
لم أشأ أن اتحدث إليه لأني أفضل ترك المكتئب حتى يعود لحالته الطبيعية وحده فالحديث عن أسباب الإكتئاب يجلب المزيد من الإكتئاب
كنت على وشك النوم و لكني وجدت أن الفجر قد قارب على الأذان ففضلت الإنتظار لأصلي ثم انام
كان - رحمه الله - يصلي يومياً الفروض الخمسة في المسجد و المعروف ان هذا هو وقت استعداده للصلاة
قمت لأجده مغشياً عليه - هذا ما كنت اعتقده - في دورة المياه و لم أنجح في إفاقته و أيقظت أمي و لم تنجح هي أيضاً
اتصلت باحد جيراني و جاء بجار آخر و قمنا بنقله على الفراش و جئنا بالطبيب ليخبرنا بالفاجعة التي ادمت قلبي.
و بكيت لثاني مرة في حياتي أمام الغير
و مر اليوم سريعاً بشكل لم اعهده من قبل في كل حالات الوفاة التي شهدتها
توفى قبل آذان الفجر و دفن أثناء آذان الظهر
و انتهى اليوم ومازلت في حالة الذهول و اتوقع في كل لحظة ان اصحو من النوم صباحاً و اجده يتناول الإفطار أقول له صباح الخير أثناء إفطاره و يرد علي ضاحكاً "صباح النور.....اتفضل"
كلما أشعر بالندم أنني لم اتحدث اليه قبل وفاته - خاصة و أنني رأيته في غرفته قبل الوفاة بحوالي نصف ساعة - أتذكر أنه لا يحتاج مني الآن سوى الدعاء له فقط.
لم يكن أباً تقليدياً
بل كان أباً روحياً
هذه التدوينة ليست مكان لإثارة الشفقة
إنها فقط مكان لي لكي أصرخ فيه عالياً
وحيداً
...............
و قد ألغيت التعليق على هذه التدوينة
حتى والدتي و أختي
من المعروف أن عائلة والدي من المعمرين و توقعت أن الوالد مقيم معنا إلي ما شاء الله
لم يكن اباً تقليدياً
فكل ما يحدث بين الأب و الإبن من خلافات و مشاكل نادراً جداً ما كان يحدث بيننا خاصة في فترة المراهقة
كان دائماً يقول "أنا ضد تقييد الحريات"
لم أنجح في توطيد علاقتي به طيلة السنوات الماضية فلم أجد مجال نهتم كلانا به
حتى هذا العام و مع ازدياد اهتمامي بالسياسة و علم النفس وجدت فيه نهر يتدفق بالمعلومات التي قد أحتاج اسابيع و ربما شهوراً للبحث عنها
كنت استمتع بالحيث معه و كانت أمي تتعجب من التغيير المفاجىء في علاقتي بأبي
علمت منه أن جدي كان عضو بحزب الوفد قبل إنقلاب يوليو و كيف أنه كان معترضاً على الإنقلاب
علمت منه كيف كان الناس مخدرين بالشعارات التافهة و هو و عمي كانا من ضمنهم حتى هزيمة يونيو
كان يحدثني عن القرارات العجيبة التي كان عبد الناصريقرها و كذلك السادات
كان يتفق معي في رفضي للسلفية المنتشرة في مصر و كان يتحدث إلي أحد سكان الشارع من السلف و يخبرني بمناقشاتهم و نضحك سوياً على آرائهم التي تفتقر إلي أبسط قواعد المنطق
نجحت في جعله يتوقف عن شراء الأهرام و جرائد المخدرات القومية و أقنعته بالدستور و صوت الامة
أصبحنا نتناقش عن آخر الأخبار بشكل يومي
أصبحنا أصدقاء و هذا ما لم أكن اتوقعه أبداً
كان والدي متديناً و مهتماً بالسياسة في الإسلام و مع ذلك لم يعارض أبداً أفكاري الليبرالية ولا عن الدولة العلمانية كحل مقترح لإصلاح حال الدولة
أحضر لي كتاباً للشيخ القرضاوي اسمه "الإسلام و حضارة الغرب" لم أقرؤه حتى الآن و اقترح بأن اقرأ الكتاب بعد التخرج إذا نويت الهجرة ووقتها ضحكت و قلت له "عاوز تستقطبني؟" و ضحكنا سوياً
كانت آخر مناقشاتنا هي ملابسات موت أشرف مروان و أخذنا ننتناقش سوياً و انتهينا إلي أن ننتظر نهاية التحقيقات
كان يوم 30/6 و عدت إلي المنزل بعد يوم طويل مع الأصدقاء و طرق باب غرفتي ليعطيني المعجم و يخبرني انه وجد المعجم الخاص به
و شعرت عندما تحدث إلي بشىء ما غريب و لكني أعرف انه مكتئب قليلاً
قلت أنه ربما كذلك لأن والده توفى من أسبوع (عن عمر 88 عاماً)
لم أشأ أن اتحدث إليه لأني أفضل ترك المكتئب حتى يعود لحالته الطبيعية وحده فالحديث عن أسباب الإكتئاب يجلب المزيد من الإكتئاب
كنت على وشك النوم و لكني وجدت أن الفجر قد قارب على الأذان ففضلت الإنتظار لأصلي ثم انام
كان - رحمه الله - يصلي يومياً الفروض الخمسة في المسجد و المعروف ان هذا هو وقت استعداده للصلاة
قمت لأجده مغشياً عليه - هذا ما كنت اعتقده - في دورة المياه و لم أنجح في إفاقته و أيقظت أمي و لم تنجح هي أيضاً
اتصلت باحد جيراني و جاء بجار آخر و قمنا بنقله على الفراش و جئنا بالطبيب ليخبرنا بالفاجعة التي ادمت قلبي.
و بكيت لثاني مرة في حياتي أمام الغير
و مر اليوم سريعاً بشكل لم اعهده من قبل في كل حالات الوفاة التي شهدتها
توفى قبل آذان الفجر و دفن أثناء آذان الظهر
و انتهى اليوم ومازلت في حالة الذهول و اتوقع في كل لحظة ان اصحو من النوم صباحاً و اجده يتناول الإفطار أقول له صباح الخير أثناء إفطاره و يرد علي ضاحكاً "صباح النور.....اتفضل"
كلما أشعر بالندم أنني لم اتحدث اليه قبل وفاته - خاصة و أنني رأيته في غرفته قبل الوفاة بحوالي نصف ساعة - أتذكر أنه لا يحتاج مني الآن سوى الدعاء له فقط.
لم يكن أباً تقليدياً
بل كان أباً روحياً
هذه التدوينة ليست مكان لإثارة الشفقة
إنها فقط مكان لي لكي أصرخ فيه عالياً
وحيداً
...............
و قد ألغيت التعليق على هذه التدوينة